للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفترقا، إلا أن تكون صفقة خيار. ولا يحلُّ له أن يفارقَ صاحبَه خشيةَ أن يستقيلَه".

والمراد ــ والله أعلم ــ أنه لا يحلُّ لأحدهما أن يستغفل صاحبه، فيفارقه وهو لا يشعر؛ إذ قد لا يكون استحكم رضاه، وكان يريد الفسخ؛ إلا أنه أمهل اعتمادًا على أن ذلك لا يفوت، حتى لو رآه يريد المفارقة لبادر بالفسخ. فأما ما جاء عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى شيئًا يعجبه فارَقَ صاحبه (١)، فمحمول على مبادرته بالمفارقة وصاحبُه يراه، أو لا يكون وقف على هذه الزيادة (٢).

وقوله: "حتى (٣) يستقيله" لا يدل على لزوم العقد، فإن الاستقالة بعد لزوم العقد لا تمنع فيها المفارقة؛ إذ قد يستقيله بعد أن يفارقه ويمضي زمان. وإنما المراد ــ والله أعلم ــ أن صاحبه قد يندم [٢/ ٥١] في المجلس، فلا يبادر إلى الفسخ، ويرى من حُسن الأدب والعشرة أن يقول له: "أَقِلْني"، ليكون الفسخ برضاهما فإنه أطيب للنفوس.

قال الكوثري: "على أن الحديث إذا حمل على خيار الرجوع بمعنى أن البائع أو المشتري (٤) إذا أوجب فله حق الرجوع قبل قبول الآخر في المجلس، فيزول خيار الرجوع من الموجِب ــ بائعًا كان أو مشتريًا ــ بقبول الآخر قبل انقطاع المجلس= فهذا المعنى يكون غير مخالف لكتاب الله تعالى".


(١) أخرجه البخاري (٢١٠٧) ومسلم (١٥٣١/ ٤٥).
(٢) انظر "التلخيص الحبير" (٣/ ٢٠).
(٣) كذا في المطبوع، ولفظ الحديث السابق: "خشية أن".
(٤) في (ط): "والمشتري"، والتصويب من "التأنيب".