والحاصل أن الخضوع طلبًا للنفع الغيبي عبادة. فإن كان عن أمرٍ من الله تعالى ثابتٍ بسلطان، فهو عبادة له سبحانه، ولو كان في الصورة لغيره كالكعبة؛ وإلا فهو عبادةٌ لغيره. ويتعلق بهذا الباب مباحث عديدة قد بسطتُ الكلام عليها في كتاب «العبادة»(١)، وإنما ذكرتُ هنا شذرةً منه.
وأصل المقصود هنا تفسير الآية، فأقول: إن القرآن يذكر التدبير الغيبي جملةً، أو يذكر بعض أنواعه تفصيلًا، ويبيِّن أن المالك له القادر عليه المختار فيه، بدون توقُّفٍ على أمرِ آمرٍ أو إذنِ آذنٍ أو تسليطِ مسلِّطٍ، هو الله وحده لا شريك له، وأن ذلك هو مناط استحقاق العبادة. فإذا كان سبحانه هو المتفرد بذلك، فهو المتفرد باستحقاق العبادة. فتدبَّر الآيات المتقدمة تجدها على ما وصفت. وتدبَّر آيات الشورى التي فيها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: (١١)] تجدها من هذا القبيل. فإذا كان الأمر هكذا فالظاهر أن المراد بقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} نفيُ [٢/ ٢٧٨] المثل فيما ذُكر في السياق من أنه تعالى يحيي الموتى، وأنه على كل شيء قدير، وأن إليه الحكم، وأنه فاطر السماوات والأرض، إلى غير ذلك. وجِماعُ ذلك كلِّه ملكُ التدبيرِ الغيبيِّ، والقدرة عليه، والاختيار فيه، على ما تقدم وصفه. والمقصود بذلك إثبات أنه لا إله إلا الله.
(١) كتاب من تأليفي استقرأتُ فيه الآيات القرآنية ودلائل السنة والسيرة والتاريخ وغيرها لتحقيق ما هي العبادة، ثم تحقيق ما هو عبادة لله تعالى مما هو عبادة لغيره. يسَّر الله نشره. [المؤلف].