سبق أوائل هذه المقدمة الإلماع إلى مكانة هذا الفن، وشدة الحاجة إلى معرفته، وأنّ كتاب الأنساب للسمعاني هو بحق الكتاب الوحيد فيه، وأذكر الآن سبب تأليفه وبعض الثناء عليه.
قال أبو سعد في خطبته: "كنت في رحلتي أتتبع ذلك، وأسأل الحفاظ عن الأنساب وكيفيتها، وإلى أي شيء نُسِب كل أحد، وأُثبت ما كنت أسمعه، ولما اتفق الاجتماع مع شيخنا وإمامنا أبي شجاع عمر بن الحسن البسطامي ــ ذكره الله بالخير ــ بما وراء النهر، فكان يحثّني على نظم مجموع في الأنساب، وكل نسبة إلى أيّ قبيلة أو بطن أو ولاء أو بلدة أو قرية أو جدّ أو حِرفة أو لقب لبعض أجداده، فإنّ الأنساب لا تخلو عن واحد من هذه الأشياء، فشرعت في جمعه بسمرقند في سنة خمسين وخمسمائة، وكنت أكتب الحكايات والجرح والتعديل بأسانيدها، ثم حذفت الأسانيد لكيلا يطول، وملت إلى الاختصار ليسهل على الفقهاء حفظها، ولا يصعب على الحفاظ ضبطها، وأوردت النسبة على حروف المعجم، وراعيت فيها الحرف الثاني والثالث إلى آخر الحروف، فابتدأت بالألف الممدودة لأنها بمنزلة الألِفين، وذكرت (الآبُرى) في الألفين، وهي قرية من سجستان، و (الإبري) بالألف مع الباء الموحدة، وهذه النسبة إلى عمل الإبرة، وأذكر نسبَ الرجل الذي أذكره في الترجمة وسيرته وما قال الناس فيه وإسناده، وأذكر شيوخه ومن حدّث عنهم، ومن روى عنه، ومولده ووفاته إن كان بلغني ذلك، وقدمت فصولًا فيها أحاديث مسندة في الحثّ على تحصيل