وأما العاديَّات، فهم يعترفون بجواز خرق العادة، وإنما يحتجُّون بها في مواطن:
الأول: حيث تكون من المأخذ السلفي الأول، بأن يعلم أن من شأنها أن تحمل الأميين على اعتقاد شيء في الدين، ولم يأتِ الشرعُ بما يخالفها. ووجهُ الاحتجاج هنا هو تقرير الشرع، مع القطع بأنها لو كانت مختلّة لكشف الشرعُ عن حالها.
الثاني: حيث تكون من المأخذ السلفي الثاني، كأن يتواتر أثر عن النبي صلى الله عليه [٢/ ٢١٦] وآله وسلم في الدين. ووجهُ الاحتجاج هنا أن الخرق إنما يكون بفعل الله عز وجل، ومن الممتنع أن يقع الخرق هنا بأن يتواتر ما هو كذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدين. فإن هذا تضليل يتنزَّه الله عز وجل عن مثله.
فإن قيل: فقد رُوي أنه يظهر على يد الدجال بعض الخوارق.
قلت: قد كشف الشرعُ حالها بالدلالات القاطعة من المأخذين السلفيين على كذب الدجال. ولم يكتف بذلك، بل نصَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على خروج الدجال وكذبه وظهور ما يظهر على يده، وأن ذلك ابتلاء محض.
الثالث: حيث لو فُرِضَ خرقُها لكان الخرقُ حجةً أخرى تقوم مقام العادة، كما تقول: إن من الحجة على إعجاز القرآن أن العرب لم يأتوا بسورةٍ مِن مِثله مع تحدِّيه لهم وتوفُّر الدواعي أن يفعلوا لو أمكنهم. ففي هذا القول إن فُرِض الخرقُ بأن يقال: لعلهم كانوا قادرين، ولكن صرفهم الله عز وجل، فهذا الصرف حجة أخرى على الإعجاز.