وكأن العَضُد يقول في الجزم بالعادة مثل ما قاله في الجزم بالحس: إن المدار على جزم العقل، وهو إنما يجزم بأمور تنضم إلى الحس أو إلى العادة، لا يُدرى ما هي؟ ولا كيف حصلت؟ ولا من أين جاءت؟ فإذا كان هذا مراده، فقد تقدم في الكلام على الحسِّيات ما علمت.
والحق الذي لا ريب فيه: أن العقل قد يجزم في الحسيات بمجرد الإحساس، وفي العاديات بمجرد العادة، وإنما يقف إذا عرض له ما يشكِّكه. فالذي يجوِّز السحر إذا قال له من يثق به: إن هنا ساحرًا، فأدخله عليه، فناوله تفاحةً، فإنه لا يجزم بأنها تفاحة أثمرتها شجرة، بل يجوِّز أن تكون روثةً ــ مثلًا ــ وأن حسَّه أخطأ لأجل السحر، أو أن تكون روثة انقلبت تفاحة بعمل السحر، فلا يجزم هنا بإحساس ولا عادة. ومع هذا فإن هذا الذي يجوِّز السحر تجده حيث لا مظنة للسحر يجزم بالإحساس والعادة كما يجزم غيره. وقد يجزم، ثم تشكِّكه، فيرجع عن جزمه.
فالحق أن النفس قد لا تعرف وجه الاحتمال فتجزم، وقد تعرفه ولكنها تجحده فتجزم، وقد تعرفه وتعترف به وتستحضره، ولكنها تستبعده جدًّا، فتجزم (١) ولا تبالي به. فاحتمال الجزم للخطأ لا محيصَ عنه. وسيأتي اعترافهم بذلك.
فإن قيل: فماذا يقول السلفيون؟
قلت: قد مرَّ في الكلام على الحسيات ما فيه كفاية، ويُعْلَم منه الجواب عنهم في شأن البديهيات، ويأتي إن شاء الله تعالى لذلك مزيد.