للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهما خير نساء الأرض. وأمَّا التفضيل بينهما فمسكوت عنه».

أقول: بل الظاهر أنه فسَّر الضمير الأول بالسماء والثاني بالأرض. أي خير نساء السماء مريم وخير نساء الأرض خديجة. يعني أن مريم قد توفِّيت ورجعت روحها إلى الجنَّة، والجنَّة في السماء. وأما خديجة فكانت في قيد الحياة.

وهذا التفسير من وكيع إنْ كان روايةً فذاك، وإلا فصحَّته تتوقَّف على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال هذا في حياة خديجة رضي الله عنها.

* * * *

في قصَّة جُريج عند مسلم (١): «ولو دَعَتْ عليه أن يُفتَن لَفُتِن».

* ففي هذا استجابة الدعاء بالفتنة وجوازه. والله أعلم.

ولا بدَّ من تقييده، فلينظرْ. ولعله خاص بالمظلوم على ظالمه المتمادي في ظلمه. ومما يُضعف الإشكال أنه ليس المقصود ظاهر الأمر من إرادة أن يعصي الله تعالى، وإنما المقصود غاية ذلك من العقوبة. فكما يجوز الدعاء على الظالم أن يعذِّبه الله تعالى فقط، يجوز الدعاء بأن يجري له ما هو سبب العذاب ليعذَّب أو يعاقَب. وقد دلَّ القرآن بأن العقوبة على الذنب قد يكون بإيقاع المُذنب في ذنب آخر. فكأنَّ الداعي على الظالم إنما دعا عليه بشيء يجوز أن يكون عقوبة ظلمه. والله أعلم.

ومنه دعوة سعد على أبي سعدة: «وعرِّضه للفتن» (٢)، ودعوة موسى


(١) برقم (٢٥٥٠/ ٧).
(٢) أخرجه البخاري (٧٥٥) من حديث جابر بن سمرة.