"والتفرق بالأقوال شائع في الكتاب والسنة نحو قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: ١٠٣]، وقوله تعالى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[البينة: ٤]، وقوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ (١) اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠]، وفي الحديث: "افترقت اليهود .. " الحديث. بل التفرق بالأبدان من شأنه إفساد العقود في الشرع لا إتمامها، كعقد الصرف قبل القبض، وعقد السلم قبل القبض لرأس المال، والدَّين بالدَّين قبل تعيين أحدهما. وفي حمل الحديث على التفرق بالأبدان خروج عن الأصول، ومخالفة لكتاب الله تعالى. وأما حملُه على التفرق بالأقوال، فليس فيه خروج عن الأصول، ولا مخالفة لكتاب الله تعالى، مع كونه أشهر في الكتاب والسنة".
أقول: التفرقُ فكُّ الاجتماع، وهو حقيقةٌ في التفرق بالأبدان بلا شبهة. وكثيرًا ما يأتي الاجتماع والتفرق مجازًا في الأمور المعنوية بحسب ما تدل عليه القرائن، ومن ذلك: الشواهد [٢/ ٥٤] التي ساقها الأستاذ. ومجيءُ الكلمة في موضع أو ألف موضع أو أكثر مجازًا بقرينته لا يُسوِّغ حملَها على المجاز حيث لا قرينة. وهذه كلمة "أسد" كثُر جدًّا استعمالُها في الرجل الشجاع مع القرينة، حتى لقد يكون ذلك أكثر من استعمالها في معناها الحقيقي، ومع ذلك لا يقول عاقل: إنه يُسَوِّغ حملَها على المجاز حيث لا قرينة. وهذا أصل قطعي ينبغي استحضاره، فقد كثُر تغافلُ المتأولين عنه تلبيسًا على الناس.
(١) وقع في "التأنيب" (ص ٧٩): "إن تفرقا يغني"، واقتصر في إصلاح الأغلاط (ص ١٩٠) على إصلاح "يغن"! [المؤلف].