للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجه ثالث، وهو أن الحديث كما في "الموطأ" و"الصحيحين" (١) يُثبِت أن "لكل واحد منهما الخيار حتى يتفرقا". فهو ثابت للمتأخر قطعًا، يثبت له عند آخر حرفٍ من صيغته مستمرًّا إلى أن يتفرقا. ولا قائلَ بأنه يثبت للمتأخر دون المتقدم، فثبت لكل واحد منهما عند آخر حرف من صيغة الثاني مستمرًّا إلى أن يتفرقا، وهو قولنا.

ولو قال المحتسب للعون وهو يرى رجلًا يضرب آخر: أمسِك الضاربَ حتى تُحضِره عند الحاكم، لكانت كلمة "الضارب" حقيقةً، والحكمُ بالإمساك مستمرًّا إلى غايته، وإن كان الضرب ينقطع قبلها. وهكذا في السارق والزاني وغير ذلك. فقد اتضح أن قولنا مبني على الحقيقة، وضلَّ سعيُ الأستاذ في زعم أنه يكون مجازًا. فأما القول الذي اختاره، فلا يحتمله الحديث حقيقة ولا مجازًا.

فأما قوله: "وفائدة الحديث ... " فمبني على القول الذي قد فرغنا منه. ومع ذلك، فالحديث أثبتَ الخيارَ لكل واحدٍ من المتبايعين، وصيغةُ الموجِب للبيع لا تتضمن ما لا يحتاج إلى قبول، بخلاف موجِب الخلع أو العتق على مال، فإن إيجابه يتضمن الطلاق أو العتق. فإيجابه في معنى تعليق [٢/ ٥٣] الطلاق أو العتق، ولا رجوع في ذلك. فثبت أنه لا يتوهم في البادئ بالصيغة من المتساومَين أنه لا رجوع له، فحملُ الحديث على هذا المعنى الذي اختاره الأستاذ مثلُ حملهِ على المتساومين في أنه لا تكون له فائدة.

هذا، ولم يظفر الأستاذ بعد الجهد بشبهةٍ ما تُجرِّئه على زعم أن كلمة "يتفرقا" في الحديث إن حُمِلت على قولنا كانت مجازًا، وإن حُمِلت على


(١) "الموطأ" (٢/ ٦٧١) والبخاري (٢١١١) ومسلم (١٥٣١).