لحكايةٍ لا تتضمن شعرًا، فإن تضمنته بدؤوا بنقده، فإن وجدوه كما يعهدون من الشعر الجاهلي وكما يعرفون من طراز من نُسب إليه وثقوا به، وكان عندهم من أصدق الشواهد على صحة تلك الحكاية وإلا نبذوه وقالوا:"شعر مصنوع" وجعلوا ذلك دليلاً على اختلاق ذاك الخبر.
* تدوين الشعر:
من العلماء من دوّن الشعر بصفة دواوين للقبائل، كديوان أشعار هذيل. ومنهم من دوّنه بصفة دواوين لأفراد الشعراء، كديوان الأعشى وديوان النابغة. ومنهم من اختار عددًا من القصائد كالأصمعيات والمفضليات، ومنهم من انتخب قطعًا رتبها على حسب معانيها كالحماسة لأبي تمام. ومنهم من جمع الأبيات الغريبة المعاني المتأبِّية على أفهام أكثر الناس، وهي "أبيات المعاني".
* أبيات المعاني:
قال السيوطي في "المُزْهر"(ج ١ ص ٢٧٥) في فصل الألغاز: " ... وأبيات لم تقصد العرب الإلغاز بها، وإنّما قالتها فصادف أن تكون ألغازًا، وهي نوعان، فإنّها تارة يقع الإلغاز بها من حيث معانيها، وأكثر أبيات المعاني من هذا النوع، وقد ألف ابن قتيبة في هذا النوع مجلدًا حسنًا، وكذلك ألف غيره، وإنّما سمّوا هذا النوع "أبيات المعاني"؛ لأنّها تحتاج إلى أن يسأل عن معانيها ... ".
أقول: ومن تدبّر أبيات المعاني بان له أنّ خفاء معانيها إنّما يكون غالبًا لغرابة الأسلوب وبُعْد المَأْخذ وطرافة الاستعارة، فهي لذلك من آيات البلاغة، ولم يكن يكاد يتعاطاها إلا فحول الشعراء، كأنهم إنّما يقصدون بها