ووجه ذلك ــ والله أعلم ــ أنه قياسٌ مع الفارق؛ فإنَّ قراءة المأموم مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما يجهر به تُخِلُّ باستماع قراءته - صلى الله عليه وآله وسلم -، وتوجب منازعته في قراءته؛ بخلاف قراءة الإمام والمنفرد؛ فافترقا. فأما في السريّة فإنه لا إخلال بالاستماع، ولا تحصل المنازعة إلَاّ نادرًا بدون تعمُّدٍ من المأموم لقراءة السورة التي يقرأ بها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأنه لا يسمع قراءة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يمكن منه تعمُّد قراءة تلك السورة، فإن اتفق ذلك فبلا عمدٍ.
ولهذا ــ والله أعلم ــ عبَّر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالمخالجة، وفي حديث عبادة بالمنازعة، والمخالجة أخفُّ من المنازعة.
وإنما أخبرهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث عمران ليعلموا تلك المعجزة.
فعُلِمَ أنَّ قراءة الصحابة رضي الله عنهم زيادةً على الفاتحة في الجهرية خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما في واقعة حديث عبادة إنما كان اجتهادًا منهم أخطأوا فيه. فنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس بنسخ ولا تخصيص، وإنما هو بيان لخطأ القياس، وليس فيما ذكر سوء ظنٍّ بالصحابة؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك اجتهادًا، والمجتهد إذا أخطأ كان معذورًا مأجورًا.
ثم لما نهاهم انتهوا عن قراءة غير الفاتحة مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما جهر به؛ حتى كانت واقعة ابن أكيمة؛ ففعل ذلك رجل منهم كأنه لم يبلغه حديث عبادة؛ فاجتهد كما اجتهدوا أولًا؛ فبيَّن له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الحكم.
وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث عبادة:"إني أراكم تقرؤون" إن كانت الرواية بفتح همزة "أراكم" فمعناه: أعلمكم. أو بضمها؛ فمعناه: أظنكم. وكلاهما محتملٌ من حيث المعنى.