ذكروا عن هؤلاء أنهم استدلوا على منع القبول بأمرين:
الأول: أن الحكم الشرعي يترتب عليه أمور عظيمة، كإزهاق النفوس، وإحلال الفروج، وغير ذلك. وخبر الواحد يجوز أن يكون كذبًا، فإثبات الحكم الشرعي به يؤدي إلى إزهاق نفوس لا تحصى، وإحلال فروج لا تحصى، بخبر قد يكون كذبًا.
والجواب: أنكم تعلمون أن هذه النشأة الدنيا يشتبك فيها الخير بالشر، ألا ترون أن الخلق والتكليف وإرسال الرسل وإنزال الكتب جرَّ إلى كثير من الشر؟ وتعلمون أن المدار إنما هو على الموازنة، فإذا كان شيء يترتب عليه خير وشر بُنِيت الحكمة على الراجح. فإذا كان الخير أكثر وأعظم اقتضت الحكمة وقوعه.
ووجوب العمل بأخبار الثقات يترتب عليه من الخير والمصالح ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، من تيسُّرِ نقل الشريعة، والعلم والعمل بها، وما يترتب على ذلك من الثواب وقيام الحجة وتوسيع دائرة الابتلاء وغير ذلك. وكل ذلك داخل في حكمة الخلق والتكليف، وهذا كله متحقق لا ريب فيه.
وأما المفسدة التي حصرتم نظركم فيها فمع قلتها وصغرها في جانب ما ذكر من الخير هي محتملة فقط؛ لأن الغالب على أخبار الثقات الصحة، ولاسيّما إذا اعتبر فيها ما يعتبره أهل الحديث من شرائط القبول، ويعتبره الفقهاء في الاجتهاد والترجيح.