للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأصم لم يُذكَر عنه أنه سمع حديثًا أو رواه، فقد كان بعيدًا عن الهدي النبوي، وإنما عمدته على عقله وفكره (١)، وقد علمت في الفصل السابق حال من كان هكذا.

وأما إبراهيم فقد كان أبوه من جِلَّة المحدثين، ولكنه هو رغب عن السماع، وتبع الأصم. وله ترجمة في "الميزان" و "لسانه" (٢).

وحكي عن هشام والنظَّام: أنه لا يقبل إلا بعد قرينة تنضم إليه، وهو علم الضرورة، بأن يخلق الله في قلبه ضرورة الصدق. قيل: وإليه ذهب أبو الحسين بن اللبان الفرضي (٣).

أقول: إن أراد قائل هذا بـ "علم الضرورة" علم اليقين الذي لا يقبل التشكيك فهو كما ترى، فإن ما يفيد من أخبار الآحاد العلم بمعونة القرائن ونحوها مما تقدم سببه معروف، فأما أن يقع اليقين بلا سبب فمحال في العادة. وإن أراد أن يطمئن القلب بصدقه فهذا قريب، فإن أئمة الحديث لا يكادون يصححون حديثًا إلا وهو كذلك. ولا تتخلف طمأنينة القلب عن خبر الواحد الثقة إلا لعلةٍ إذا بحث عنها العارف عرفها، وبذلك يعرف أن الخبر معلول.

هذا، وهشام والنّظام من بابة الأصم، وأسوأ ذكرًا منه.

وثَمَّ أقوال جزئية ستأتي إن شاء الله تعالى.


(١) انظر ترجمته في "لسان الميزان" (٥/ ١٢١).
(٢) "الميزان" (١/ ٢٠) و"اللسان" (١/ ٢٤٣).
(٣) انظر "إرشاد الفحول" (ص ٤٣).