المعاملات والحوادث التي يحتاج إلى الشهادة عليها تتفق لكل أحد، ولا يحضرها غالبًا إلا أوساط الناس وعامتهم الذين ينشؤون على التساهل. فمعقولٌ أنه لو رُدَّت شهادةُ كلِّ من جُرِّبت عليه كذبة لضاعت حقوق كثيرة جدًّا، ولا كذلك الرواية. نعم الفلتة والهفوة التي لا ضرر فيها ويعقبها الندم، وما يقع من الإنسان في أوائل عمره ثم يقلع عنه ويتوب منه، وما يدفع به ضرر شديد ولا ضرر فيه، وصاحبه مع ذلك مستوحش منه= ربما يُغتفر. والله أعلم.
فأما الكذب في رواية ما يتعلق بالدين ولو غير الحديث النبوي، فلا خفاء في سقوط صاحبه؛ فإن الكذب في روايةِ أثرٍ عن صحابي قد يترتب عليه أن يحتج بذلك الأثر من يرى قول الصحابي حجة، ويحتج هو وغيره به على أن مثل ذلك القول ليس خرقًا للإجماع، ويستند إليه في فهم الكتاب والسنة، ويردّ به بعض أهل العلم حديثًا رواه ذاك الصحابي يخالفه ذلك القول. ويأتي نحو ذلك في الكذب في رواية قولٍ عن التابعي، أو عالم ممن بعده، وأقلُّ ما في ذلك أن يقلّده العامي.
وهكذا الكذب في روايةِ تعديلٍ لبعض الرواة، فإنه يترتب عليه قبول أخبار ذلك الراوي، وقد يكون فيها أحاديث كثيرة، فيترتب على هذا من الفساد أكثر مما يترتب على كذب في حديث واحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وكذلك الكذب في رواية الجرح، فقد يترتب عليها إسقاط أحاديث كثيرة صحيحة، وذلك أشد من الكذب في حديث واحد. وهكذا الإخبار عن الرجل بما يقتضي جرحه. وهكذا الكذب في الجرح والتعديل كقوله:"هو ثقة"، "هو ضعيف".