سَنَّت الشريعة طريقًا لذوي الأموال من العجزة والكُسالى يمكنهم أن يربحوا فيها، ولكن بدون ضرر على غيرهم، وهي المضاربة، وهي أن يدفع الرجل إلى آخر دراهم يتَّجر فيها، على أنه إن ربح كان الربح بينهما، ولكنه إن لم يربح شيئًا لم يلزمه شيء، بل إن تَلِفَ بعض رأس المال أو كله لم يلزم العاملَ شيء، بل يكفيه ضياع تعبه، وخيبة أمله.
وهذه الطريق فتحت بابًا لخروج الدراهم من يد الغني لتلعب دورها في المعاملات، فينتفع بها الناس كما تقدم.
ولا يخشى أن تؤدي إلى الكسل والانهماك في التنعُّم؛ لأن فيها خطر ضياع رأس المال، فصاحب المال لا يختارها إلا وهو عاجزٌ على الحقيقة غالبًا، وليس فيها ظلمٌ ولا هضمٌ.
وفوائد المقرض التي تقدمت لا تحصل للمعطي مالَه مضاربةً، وكذلك المضارُّ التي تكون في الربا لا تكون في المضاربة، فيكون في المضاربة رجاء الربح من المالك والعامل، والمخاطرة من كل منهما، المالك يخاطر بماله، والعامل يخاطر بعمله.
وهذا هو العدل القويم، والقسطاس المستقيم، والحمد لله رب العالمين.