للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منكرة، لأن أولئك الثلاثة إن كانوا سعوا به ــ كما قيل ــ فالمباشرُ لترحيلهِ من مصر وتقييدهِ وحبسهِ غيرُهم، فكيف يبرِّئ المباشرين لظلمه دون الساعين؟ وأيضًا فلا موضع للسعي، لأن قضاة مصر الحنفية الجهمية كانوا يتبعون كلَّ من عُرِف بعلم أو فقه، [١/ ٢٩٦] فيُكرِهونه على القول بخلق القرآن، وشمل ذلك جميعَ علماء الشافعية والمالكية بمصر. وأشبَهُ ما تحمل عليه الحكايةُ ــ إن صحَّتْ ــ هو أن يكون الجهمية حينئذ إنما كانوا يتعرَّضون لمن جاهر بالإنكار عليهم وأعلن منابذتهم وتضليلهم، وكان البويطيُّ يؤثر عدمَ المجاهرة، فجاهر أولئك الثلاثة، فأدَّى ذلك إلى قبض الجهمية على البويطي باعتبار أنه رئيس الجماعة، والمعروفُ عن أولئك الثلاثة عقيدة أهل السنة.

وكأنَّ الأستاذ يقيس أصحاب الشافعي على أصحاب أبي حنيفة، إذْ كذَّب أبو يوسف محمدًا تكذيبًا صريحًا فيما يرويه عنه، مع ما في كتب الحنفية كـ «شرح السير الكبير» (ج ١ ص ٣) إذ ذكر الوحشة التي كانت بين أبي يوسف ومحمد، ثم قال: «وسببها الخاص ما يُحكى أنه جرى ذكر محمد رحمه الله في مجلس الخليفة، فأثنى عليه الخليفة، فخاف أبو يوسف أن يقرِّبه، فخلا به وقال: أترغب في قضاء مصر؟ فقال محمد: ما غرضك في هذا؟ فقال: قد ظهر علمنا بالعراق، وأحبُّ أن يظهر بمصر. فقال محمد: حتى أنظر. وشاور في ذلك أصحابَه، فقالوا له: ليس غرضَه قضاؤك، ولكن يريد أن ينحِّيك عن باب الخليفة. ثم أمر الخليفةُ أبا يوسف أن يُحضِره مجلسه، فقال أبو يوسف: إن به داءً لا يصلح معه لمجلس أمير المؤمنين. فقال: وما ذاك؟ قال: به سلس البول بحيث لا يمكنه استدامة الجلوس. فقال