الداني أنه بلغه أن أبا سعيد ابن الأعرابي كان يضعِّف أحمد بن الفضل هذا، ويتهمه. ومع ذلك فليست هذه الرواية من طريق ابن أبي سريج.
فقد اتضح أن رواية ابن أبي حاتم هي الثابتة.
وأما ما هو مقصود مالك، فالله أعلم. فقوله في رواية ابن أبي حاتم:«حتى يجعلها ذهبًا» يحتمل معاني:
الأول: أن تكون «حتى» بمعنى «إلى»، و «يجعل» على حقيقته. أي: لقام دونها، وبقي على دعواه ومناظرته إلى أن يصير السارية ذهبًا، وذلك ما لا يكون. فالمعنى: أنه لا يرجع عن دعواه ومجادلته أبدًا، كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ:{حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: (٤٠)].
المعنى الثاني: أن تكون «حتى» بمعنى «إلى» أيضًا، و «يجعل ... » بمعنى يجعل في ظن السامع، أي: لا يزال يورد الشبهات إلى أن يخيِّل للسامع أن السارية ذهب.
المعنى الثالث: أن تكون «حتى» بمعنى «كي»، و «يجعل ... » بمعنى يجعل في ظن السامع، أي: لقام يستدلُّ على أنها ذهب لكي يخيِّل إلى السامع ذلك.
والمعنى الأول هو الذي فهمه ابن أبي حاتم، وهو ذم. والمعنى الثاني وصفٌ بقوة العارضة والقدرة على الجدل. والمعنى الثالث [١/ ٣٢٢] وصفٌ باستمرار الموصوف على ما سبق أن قاله، ومحاولةِ أن يخيِّل للسامع صحته. وقوله في الرواية الأخرى:«لقام بحجته» ظاهر في المعنى الثاني، فإنه لا يمكن أن تكون هناك حجة حقيقة على أن الحجر أو الخشب ذهب،