وقد يحتمل أن تكون الواقعة المذكورة في حديث أبي إسحاق السبيعي غير الواقعة الثابتة في "الصحيحين"؛ ولكن حديثه لم يصحَّ حتى تتكلَّف له الاحتمالات.
ومع هذا فليس في الحديث نفي الفاتحة، فقد يجوز أن تكون الصلاة جهرية، ويكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما دخل في الصلاة قرأ الفاتحة في نفسه ولم يجهر بها؛ لأنَّ الإمام قبله قد جهر بها، ثم أخذ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قراءة السورة من حيث وقف أبو بكر.
ولم يذكر ابن عباس قراءة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الفاتحة؛ [ص ٧٥] لأنه لم يسمعه يقرأها. ولا يستبعد هذا؛ فقد صحَّ عن ابن عباس أنه سئل: هل كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: لا، فقيل: فلعلَّه كان يقرأ في نفسه؟ فقال: خمشا؛ إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان عبدًا مأمورًا، بلَّغ ما أُمِر به، الحديث. "مسند أحمد"(ج ١ ص ٢٤٩)(١).
بقي ما نُقِلَ عن الإمام أحمد رحمه الله؛ فأما قوله:"ما سمعنا أحدًا من أهل الإسلام يقول: إنَّ الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزئ صلاة من خلفه"؛ يعني: إذا لم يقرأ. ثم قال:"هذا النبي وأصحابه والتابعون".
فيقال له: يغفر الله لك أبا عبد الله؛ أما النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد تقدَّمت نصوصه العامة والخاصة القاضية بأنَّ هذا الرجل لا صلاة له، ولا تجزئه صلاته، وأن صلاته كالخِدْج الذي تُلقِيه الناقة ميتًا مستقذرًا لا حياة له، ولا ينتفع به في شيء، إلى غير ذلك.