ومن السهل أن تقول: إن القوم لم يكونوا يجرون على مقتضى المعقول إما جهلًا وإما عنادا، ولكن ليس من السهل وأنت بريء من هذين الأمرين: الجهل والعناد، أن يطمئنَّ قلبك إلى صحة هذا القول.
وأزيدك أنه لو كان الأمر كما قلت لقال لهم نوح عليه السلام: كيف تستعظمون الرسالة على البشر وأنتم تعتقدون فيهم أو في ما هو أخسُّ منهم من الجمادات ما لا تنكرون أنه أعلى منها بمراحل، ولكانت هذه من أبين الحجج وأوضحها.
فإن قلت: لعلَّه قال لهم. قلتُ لك: هذا بعيد؛ إذ لو كان كذلك لقصّها الله تعالى علينا؛ لأنه عزَّ وجلَّ إنما قصَّ القصص في القرآن لبيان ما فيها من حججه وحجج أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وغير ذلك.
فإن قلت: فإن الألوهية أعظم من الرسالة فلماذا لم تبن الحجة عليها؟
قلت: قد مرَّ أن الظاهر أنهم كانوا يرون الألوهية دون الرسالة، وأنت إذا تدبرت تبيّن لك الأمر إن شاء الله تعالى.
[س ٥٣/ب] والحاصل أنهم كانوا يعظِّمون الأصنام تقربًا إلى الله عزَّ وجلَّ لاعتقاد أن الله تعالى أمر بتعظيمها بناء على أنهم رأوا أسلافهم يعظمونها تقربًا إلى الله عزَّ وجلَّ، وزعمهم أن أسلافهم لم يكونوا ليفعلوا ذلك إلا عن بينة، وإما على سبيل الاحترام للأشخاص الذين جُعِلت الأصنام تماثيل لهم اعتقادًا بأن احترامَ تماثيلهم احترامٌ لهم، واحترامهم يرضيهم