للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هناك بيان سقوط هذه الرواية، مع الكشف عن بعض أفاعيل أبي ريَّة.

على أن كلام أبي ريَّة متناقض، فسيحكي قريبًا أن عمر لم يزل إلى آخر حياته معتدًّا بكعب. والصحيح أن كعبًا كان رجلًا عربيًّا ذا رأي، قد قرأ الكتب واستفاد منها أشياء في الحكمة والزهد والورع، وهذه كانت وسيلته إلى عمر. ويحكي الناسُ عنه أشياء من الأخبار عن الأمور المستقبلة مسندًا له إلى صحف [ص ٧٥] أهل الكتاب، ولا أدري ما يصح عنه من ذلك.

قال: (على أن عمر ظلَّ يترقب هذا الداهية بحزمه وحكمته وينفذ إلى أغراضه الخبيثة بنور بصيرته كما نرى في قصة الصخرة).

أقول: قد سرّح عمر من المدينة إلى العراق نَصْرَ بن حجَّاج لغير ذنب إلا أنه كان بارع الجمال، وكان بالمدينة كثير من النساء يغيب أزواجهن في الجهاد، وقد ذكرتْ إحداهنَّ نصرًا في شعرٍ لها (١). وجَلَدَ عمر صَبيغ بن عِسْل ونفاه إلى العراق، وكتب أَنْ لا يجالسه أحد لأمر واحد وهو أنه يُكثر من السؤال عن كلمات من القرآن لا تتعلق بالأحكام (٢). ونَصْر سُلَميّ، وصَبيغ تميميّ لم يكن لهما عِرْق في يهودية ولا نصرانية. وكعب حميريّ حديث العهد باليهودية لا مَنَعة له ولاحاجة بالمسلمين إليه، فهل يُعقل أن يشعر الفاروق منه بأن إسلامه مدخول وأنه داهية ذو أغراض خبيثة ثم يدعه معه بالمدينة يدخل إليه مع أصحابه ويتكلم في مجلسه وربما يستشيره لا


(١) قصة نصر بن حجاج أخرجها ابن سعد في «الطبقات»: (٣/ ٢٨٥)، والخرائطي في «اعتلال القلوب» (ص ٣٣٧ و ٣٣٩). وصحح سنده الحافظ في «الإصابة»: (٣/ ٥٧٩).
(٢) أخرجه الدارمي (١٤٦، ١٥٠)، والبزار: (١/ ٤٢٣)، واللالكائي: (٤/ ٦٣٥ ــ ٦٣٦).