للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أبلغ الله تبارك وتعالى في إقامة الحجة على اختلال النظر المتعمَّق فيه في الإلهيات، بأن يسَّر لبعض أكابر النُّظَّار المشهورين بالاستقلال أن يرجعوا قُبيل موتهم إلى تمنِّي الحال التي عليها عامةُ المسلمين. فمنهم الشيخ أبو الحسن الأشعري، وأبو المعالي ابن الجُويني الملقَّب إمام الحرمين، وتلميذه الغزالي، والفخر الرازي.

أما الأشعري فكان أولًا معتزليًّا، ثم فارق المعتزلة وخالفهم في مسائل وبقي على التعمُّق، ثم رجع أخيرًا كما يظهر من كتابه "الإبانة" إلى مذهب أصحاب الحديث. وكتابه "الإبانة" مشهور، وقد طبع مرارًا، والأشعرية لا يكادون يلتفتون إليه.

وأما ابن الجويني فصحَّ عنه أنه قال في مرض موته: "لقد قرأتُ خمسين ألفًا في خمسين ألفًا، ثم خلَّيتُ أهلَ الإسلام بإسلامهم فيها، وعلومه الظاهرة، وركبتُ البحر الخِضَمَّ، وغُصْتُ في الذي نهى أهلُ الإسلام عنها= كلُّ ذلك في طلب الحق. وكنت أهربُ في سالف الدهر من التقليد، والآن قد رجعتُ عن الكل إلى كلمة الحق: "عليكم بدين العجائز". فإن لم يُدرِكْني الحقُّ بلطف برِّه فأموتَ على دين العجائز، وتُختمَ عاقبةُ أمري عند الرحيل على نزهة أهل الحق، وكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويلُ لابن الجويني! ". وقال: "اشهدوا عليَّ أني رجعتُ عن كل مقالة يُخالف فيها السلف، وأني أموت على ما يموت عجائز [٢/ ٢٣٣] نيسابور". إلى غير ذلك مما جاء عنه، وتجده في ترجمته من "النبلاء" (١) للذهبي، و"طبقات الشافعية" (٢) لابن السبكي وغيرها.


(١) "سير أعلام النبلاء" (١٨/ ٤٧١، ٤٧٤).
(٢) (٥/ ١٨٥، ١٩١). وانظر "المنتظم" (٩/ ١٩).