الثاني: سقوط ثقته بما يخالف ذلك من قضايا النظر المتعمَّق فيه وجزمُه بأن اعتقاد تلك القضايا مقتضٍ للويل والهلاك.
الثالث: أنه مع ذلك يرى أن حاله دون حال العجائز، لأنهن بَقِينَ على الفطرة وسَلِمن من الشك والارتياب، ولزمن الصراط، وثبتن على السبيل، فرجا لهنّ أن يكتب الله تعالى في قلوبهن الإيمان، ويؤيدهن بروح منه، فلهذا يتمنى أن يعود إلى مثل حالهن، وإذا كانت هذه حال العجائز، فما عسى أن يكون حال العلماء السلفيين؟ !
وأما الغزالي، فكان يغلب عليه غريزتان:
الأولى: التوَقانُ إلى تحصيل المعارف.
الثاني: شدة الحرص على حَمْل الناس على ما يراه نافعًا، لكنه نشأ في عصر وقطر كان يسود فيهما ــ ولاسيّما على علماء مذهبه وفرقته وخصوصًا أساتذته ــ أمور:
الأول: اعتقاد أن المذاهب والمقالات قد تأسست، فما بقي على طالب العلم إلا أن يعرف مذهبه، ومقالة فرقته، ويتقن الأصول، والجدل، والكلام، ثم يتجرد للدفاع عن مذهبه، ومقالة فرقته.
الأمر الثاني: اعتقاد أن النصوص الشرعية قد فُرِغَ منها، فما كان منها يتعلق بالفقه قد أحاط به المجتهدون، وقد زعم الغزالي أن الاجتهاد قد انقطع. وما كان متعلقًا بالعقائد قد لخَّصه وهذَّبه أئمة الكلام، مع ما اشتهر أن