للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدار العقائد على العقل، وإذا خالفته النصوص وجب تأويلها. وقد كثر فيها ذلك حتى استقرَّ عندهم أنه لا سلطان لها على العقائد، ولهذا كان هو وأستاذه إمام الحرمين من أبعد الناس عن معرفة السنة، كما ترى التنبيه عليه في مواضع من"تلخيص الحبير" (١)، وفي الكلام على قول الله عز وجل: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (٢) [التوبة: ٨٠]، [٢/ ٢٣٤] وفي ترجمة محمد بن مُحَيريز من "لسان الميزان" (٣) و" تخريج أحاديث الإحياء" (٤)، وغيرها.

وبذلك يتبين أن هذين الإمامين كانا قليلَي الاعتداد بالنصوص، فإن احتاجا إلى ذكرها تعسَّفَا بدون مبالاة، لا يكاد يهمُّهما أن يحتجَّا بحديث لا يدريان لعله موضوع، ولا أن ينكرا وجود حديث في "الصحاح"، وهو فيها كلِّها!

الأمر الثالث: اشتهار أن المذهب والمقالة اللذَين نشأ عليهما الغزالي هما أقوم المذاهب والمقالات. فاشتهر أن مذهب الشافعي هو المستوفي لجهتي الأثر والنظر، وأن ما عداه مخلّ بأحدهما؛ وأن مقالة الأشعرية هي المستوفية للنقل والعقل، وأن ما عداها مخلٌّ بأحدهما كمقالة المعتزلة ومقالة أصحاب الحديث.


(١) (١/ ٢٩٣ - ٢٩٤، ٢/ ٢٠، ٥٣).
(٢) انظر "فتح الباري" (٨/ ٣٣٨).
(٣) (٧/ ٤٩٥). وانظر "سير أعلام النبلاء" (١٨/ ٤٧١). وقول الغزالي: "بضاعتي في الحديث مُزجاة" في رسالته "قانون التأويل" (ص ٣٠) تحقيق محمود بيجو.
(٤) لم أجد التنصيص عليه فيه، ولكن تخريج أحاديثه وبيان أن كثيرًا منها لا أصل لها يدلّ على ذلك.