فأما القراءة فليس المقصود بالجهر بها الإعلام، واحتمال أن يكون المقصود بالجهر بها إسماعَ المقتدين يدفعه أنَّ المنفرد يجهر أيضًا، وأنهم قد علموا أنَّ المؤتمَّ يقرأ أيضًا.
ولا يدفع هذا الوهم أن الآية قد سبق نزولها بالأمر بالإنصات؛ لاحتمال أن يتوهَّموا أنَّ قوله:"إنما جعل الإمام ليؤتمَّ به" تخصيص للآية بالنسبة إلى القراءة.
مع أنَّ مثل هذا وارد على المخالف؛ إذ يقال له: إذا كان الإنصات في الآية ينافي القراءة سرًّا فلماذا قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "وإذا قرأ فأنصتوا"؟ وهلَاّ اكتفى بالآية؟ وجوابه: بأنه زاده تنبيهًا على الدليل، وتأكيدًا له. وهكذا نقول مع زيادة دفع الإيهام.
وكأني بك لا يطمئنُّ قلبك إلى هذا التأويل؛ ولكنك إذا تأملت ما تقدَّم، وعلمت أنَّ الآية مكية اتفاقًا، وأنَّ تحريم الكلام في الصلاة إنما كان بالمدينة علمت الاحتياج إلى التأويل.
وقد فُتِحَ عليَّ بمعنًى آخر لعلَّه أقرب من الأول؛ وهو أن يقال: الإنصات على ظاهره، والآية إنما منعت من الكلام حال قراءة الإمام جهرًا، وبقي الكلام مباحًا في غير ذلك من الحالات، كحال قراءته سرًّا، وحال الركوع والسجود وغير ذلك؛ حتى حرم ذلك بالمدينة.
وعلى هذا فيقال: الأمر بالإنصات يعمُّ الإنصات عن كلام الناس، وعن القراءة، وعن الذكر.
ولكن دلَّ قوله تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} إلخ على اختصاص النهي بكلام الناس، وأما ذكر الله تعالى بقرآن أو غيره فلم ينه عنه، ولكن أمر