أقول: كلمة أبي ريَّة الأخيرة: (ولا ريب أن رواية مالك هي الصحيحة ... ) تعطي أنّ الصحيح عن أبي هريرة هو ما اقتصر عليه مالك فقط، ولا يخفى أن هذا يناقض قول أبي ريَّة سابقًا:(ثم زعم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دعا له)، ويناقض كلامه الآتي:(على أن هذه الذاكرة ... ) فكلام أبي ريَّة متناقض حتمًا، لا مفكَّك الأوصال فحسب. أما زعمه أن الخبر بتلك الزيادة (مفكك الأوصال ولا صلة بينه وبين الذي قبله) فإنما جاء ذلك مِن اختيار أبي ريَّة للفظ مسلم، والخبر في مواضع من «صحيح البخاري» مرَّت الإشارة إليها، وسياقه هناك سليم.
[ص ١٤٣] ثم قال أبو ريَّة: (على أن هذه الذاكرة ... قد خانته في مواضع كثيرة، وإن ثوبه الذي بسطه قد تمزَّق فتناثر ما كان بين أطرافه، وإليك أمثلة من ذلك: روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبيّ قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة». وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ولكن الصحابة عملوا بما يخالفه، فقد روى البخاري عن أسامة بن زيد أن رسول الله قال:«إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها». وقد جاء الحديث كذلك عن عبد الرحمن بن عوف. ولما سمع عمر هذين الحديثين وحديث:«لا يوردن ممرض على مصح» ــ وهو مما رواه أبو هريرة ــ وكان قد خرج إلى الشام ووجد الوباء عاد بمن معه. وقد اضطر أبو هريرة إزاء هذه الأخبار القوية إلى أن يعترف بنسيانه، ثم أنكر روايته الأولى. وفي رواية يونس: قال الحارث بن [أبي] ذباب ابن عم أبي هريرة: قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع حديث: «لا يوردن ممرض على مصح» الخ حديث: «لا عدوى»، فأنكر معرفته لذلك. ووقع عند الإسماعيلي من رواية شعيب: فقال الحارث ابن عم أبي هريرة: إنك حدثتنا، فأنكر أبو هريرة وغضب، وقال: لم أحدثك ما تقول).
أقول: ها هنا أمور تبيّن لنا تهوّر أبي ريَّة ومجازفته:
الأول: حديث: «لا عدوى» لم ينفرد به أبو هريرة، بل هو في