للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما غلاة المقلّدين، فأمرهم ظاهر. وذلك أن المتبوع قد لا تبلغه السنة، وقد يغفل عن الدليل أو الدلالة، وقد يسهو أو يخطئ أو يزلّ، فيقع في قول تجيء الأحاديث بخلافه، فيحتاج مقلِّدوه إلى دفعها والتمحّل في ردها. ولو اقتصر الأستاذ على نحو ما عُرِف عنهم لهان الخطب، ولكنه يعدُّ غلوّهم تقصيرًا!

وأما المتكلِّمون، فأول مَن بلغنا أنه خاض في ذلك عمرو بن عبيد. ذُكر له حديث يخالف [١/ ٢٦] هواه، رواه الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمرو: "لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذَّبته، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدَّقته، ولو سمعت ابن مسعود يقوله لما قبلته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله عز وجل يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذتَ ميثاقنا" (١). وتعدّى إلى القرآن، فقال في: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١]، وقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: ١١] "لم يكونا في اللوح المحفوظ" (٢). كأنه يريد أن الله تبارك وتعالى لم يكن يعلم بما سيكون من أبي لهب ومن الوحيد.

ثم كان في القرن الثاني جماعة ممن عُرف بسوء السيرة، والجهل بالسنة، ورقة الدين، كثمامة بن أشرس، والنظَّام، والجاحظ؛ خاضوا في


(١) أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد": (١٢/ ١٧٠) في ترجمته.
(٢) أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد": (١٢/ ١٧٠).