للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} يحتمل أن يكون بمعنى: "وله أبوانِ" على ما قدَّمنا على مذهب ابن عباس، ويحتمل أن يكون على معنى الإحاطة بالتركة، أو غيره من المحامل التي تقدمت على مذهب الجمهور، فرجعا إلى النظر، فاقتضى نظر ابن عباس ما رجَّح عنده المعنى الأول، واقتضى نظرُ غيره ما رجَّح عندهم المعنى الثاني، فعلينا أن نتدبَّر جهتَي النظر.

أما نظر ابن عباس فالظاهر أنه ما قدمناه من أن المعهود في الفرائض أن من نقصَ وارثًا نقصَه على كل حال، فلو كان الأب ينقُصُ الأمَّ لنَقَصَها على كل حال، وقد ثبت أنه لا ينقُصُها إذا لم يكن ولدٌ ولا إخوة ولا أحد الزوجين، فلا ينقُصُها في غير ذلك. وأما نقصُها مع الإخوة فإنما نقَصَها الإخوة، وهم ينقصُونها على كل حالٍ كما تقدم.

وأما نظر الجمهور فأشار إليه زيد بن ثابت بقوله: "لا أُفضِّلُ أمًّا على أبٍ". وبيانه أنه في المسألة المنصوصة والمتفق عليها نجد الأب إما مساويًا للأم وإما زائدًا عليها، فمع الولد الذكر ومع البنتين لكل من الأبوين السدس، ومع البنت الواحدة للأمّ السدس وللأب الثلث. وكذلك الحال مع أولاد الابن. وعند انفراد الأبوين للأم الثلث وللأب الثلثان، وعند انفرادهما مع إخوة للأم السدس وللأب الباقي. فالمعهود في الفرائض أن لا تفضل الأم على الأب، وقد ثبت أنه لا تَفْضُلُه في غير الغرَّاوينِ، فلا تفضُلُه فيهما.

فهذان نظرانِ متعارضان، وقد يُرجَّح نظر ابن عباس بأوجهٍ:

الأول: أن استحقاق الأم آكَدُ؛ لأن تعبَها في شأن الولد أشدّ.