للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: أن بِرَّها آكَدُ، ففي الحديث الصحيح (١): "بِرَّ أمَّك ثمَّ أمَّك ثمَّ أمَّك، ثم أباك"، فجعل للأم ثلاثة حقوق من البر، وللأب واحدًا.

الثالث: أن الأم ذات فرض، والأب عصبة، ومن شأن صاحب الفرض أن يلزم فرضه، والعصبة يختلف حاله زيادةً ونقصًا، فيأخذ جميعَ المال تارةً، ولا يبقى له إلا شيء يسيرٌ تارةً، ولا يبقى له شيء أخرى، كالأخ الشقيق يأخذ جميع المال إذا انفرد، ولا يبقى له إلا نصفُ السُّدُس مع بنت وأم وزوج، ولا يبقى له شيء مع بنتين وأم وزوج.

وقد يُخدَش في هذه الأوجه:

أما الأول: فإن الأب يتعب في السعي على الأم والولد معًا، فقد تعب في تحصيل مهر الأم وفي إسكانها والإنفاق عليها وإخدامِها وحفظِها وغير ذلك، ثم في شأن الولد وتأديبه والإنفاق عليه وتزويجه.

وأما الثاني: فقد يقال: إن تأكيد الأمر ببرِّ الأمّ ليس هو لكونه آكَدَ من برِّ الأب، وإنما هو لأنه مظنَّة الإهمال، فإن الولد يحترم أباه لعلمِه بمزيَّتِه عليه في العقل غالبًا، ولاحتياجه إليه في مصالح دنياه، وخوف ملامة الناس، وقد يتهاون بأمر أمِّه، يقول: إنما هي امرأة ضعيفة العقل، ولا يحتاج إليها غالبًا، ويكثُر أو يغلب أن يقع بينها النزاع وبين زوجته وأن تتعنَّت في ذلك.

وأما الثالث: فإن الأب ذو فرضٍ كالأم، وإنما لم يُسَمَّ له فرضٌ مع عدم الولد لأن الفرائض قد رُتِّبتْ ترتيبًا يُعلَم منه أنه لا ينقص فيه بل يزيد، كما هو الحال في الابن، فلم يُسَمَّ له فرضٌ بل جُعِل عصبةً، ولكن جُعِل ناقصًا لكثير


(١) البخاري (٥٩٧١) ومسلم (٢٥٤٨) عن أبي هريرة نحوه.