للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرَكِبَتْه ديون، فقسم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مالَه بين غرمائه، ثم بعثه على اليمن ليجبُرَه، فعاد بعد وفاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومعه مال لنفسه، فلقيه عمر فأشار عليه أن يدفع المال إلى أبي بكر ليجعله في بيت المال، فأبى وقال: إنما بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجبرني. ثم رأى رؤيا فسمحت نفسُه، فذهب إلى أبي بكر وبذل له المال، فقال أبو بكر: قد وهبته لك. فقال عمر: الآن حلَّ وطاب. يعني أنَّ الشبهة التي كانت فيه هي احتمال أن يكون فيه حق لبيت المال، فلما طيَّبه له أبو بكر ــ وهو الإمام ــ صار كأنه أعطاه من بيت المال، لاعتقاده أنه مستحق، فبذلك حلَّ وطاب. (انظر ترجمة معاذ من «الاستيعاب» (١) و «المستدرك» ٢٧٢: ٣).

فلما اسْتُخْلِف عمر جرى على احتياطه، فكان يُقاسم عمالَه أموالَهم، فيجعل ما يأخذه منهم في بيت المال، قال ابن سيرين: «فكان يأخذ منهم ثم يعطيهم أفضل من ذلك» كما سيأتي، وكان عمر يتخوَّف عليهم أن يكون الناس راعوهم في تجارتهم ومكاسبهم لأجل الإمارة، فكان يأخذ منهم ما يأخذ ويضعه في بيت المال لتبرأ ذممُهم، ثم يعطيهم بعد ذلك من بيت المال بحسب ما يرى من استحقاقهم، فيكون حِلًّا لهم بلا شبهة. وقد قاسَم مِن خيارهم سعد بن أبي وقاص وغيره، كما ذكره ابن سعد (٢) وغيره.

وكان عمر رضي الله عنه للصحابة بمنزلة الوالد، يعطف ويشفق ويؤدِّب ويشدّد، وكان الصحابة رضي الله عنهم قد عرفوا له ذلك، وقد تناول بدِرَّته بعضَ أكابرهم كسعد بن أبي وقاص، وأُبيِّ بن كعب، ولم يزده ذلك عندهم


(١) (٣/ ١٤٠٤ ــ ١٤٠٥).
(٢) «الطبقات الكبرى»: (٣/ ١٣٨).