الإنسان مفطور على الطلب لما ينفعه والهرب مما يضرّه، وكلُّ عاقل يعلم أن النفعَ والضرَّ بيد الله تعالى، ومَن اعتقد في غيره قدرةً على النفع والضر، فإن اعتقد لذلك الغير قدرةً مستقلّة عن قدرة الله تعالى، أي غير مستمدّة منها، فذلك هو الكفر، سواء اعتقد أن تلك القدرة تستقلّ بالإيجاد أو تحتاج إلى إعانة قدرة الله تعالى. وهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين.
وإن علم أن النفعَ والضرَّ بيد الله تعالى، ولكن اعتقد في شيء من الأشياء أن الله تعالى أودعَ فيه نفعًا أو ضرًّا وجعله سببًا، ففيه تفصيل؛ وذلك أنَّ المقصد إما أن يكون دينيًّا أو دنيويًّا، وأعني بالديني: رضوان الله تعالى والدار الآخرة، وبالدنيوي: ما عداه، والديني لا يكون سببه إلا شرعيًّا. وأما الدنيوي فهو على قسمين:
الأول: ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فهذا لا يكون سببه إلا شرعيًّا.
والثاني: ما تتناوله قُدرة الخلق، فإن أُريد تحصيله بغير سببه العادي، كان كالذي قبله، لا يقدر عليه إلا الله تعالى، ولا يكون سببه إلا شرعيًّا. وإن أُريد تحصيله بسببه العادي، فهذا مما تتناوله قدرة البشر التي أعطاهم الله تعالى إيَّاها، فيكون سببه عاديًّا.
إذا تقرّر ذلك فالمقاصد الدينية كلُّها وكذا الدنيوية التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، وكذا ما تتناوله قدرة الخلق بالأسباب العادية إذا أُريد تحصيله بغيرها= كلُّ ذلك لا يكون سببه إلا شرعيًّا. وكون الفعل شرعيًّا يفتقر إلى