وبما قررناه يظهر لك خطأ من جوَّز شراء حلي الفضة بدراهم أو سبيكةٍ أكثر من وزنه، قائلًا: إن الزيادة في مقابل الصنعة. ولم يتنبه لما في المنع من ذلك كما هو ظاهر الشريعة من الحكمة البالغة. والله أعلم.
وأما علاقة الاحتكار بالنسيئة: فإنه لو أُبيح في النسيئة ما لم يُبَحْ نقدًا، لتعمَّد الناس إنساءَ أحدِ العوضين مدةً قليلةً، وما يصح نقدًا مع زيادة وصفية في أحد العوضين، كحلية ذهب بسبيكة ذهب كوزنها، يحتال له بتأجيل الحلية مدةً طويلةً، ليكون الأجل مقابلَ الصنعة، فهذا مع تحقق الربا فيه تحقق فيه الاحتكار أيضًا.
[ص ٤٤] بقية الأصناف
احتكار الأقوات معروف، وقد وردت أحاديث في تحريمه، منها ما رواه مسلم في صحيحه وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"لا يحتكِرُ إلّا خاطئ"(ج ٥ ص ٥٦)(١).
وهذه الأربعة الأصناف يكثر احتكارها، ويكون فيها الجيد والرديء. فقد يكون رجلان محتكرانِ للحنطة مثلًا، وحنطة أحدهما جيدة، وحنطة الآخر رديئة، فيحتاج صاحب الجيدة إلى رديئة لقوت أهله وخَدمه، أو يحتاج صاحب الرديئة إلى جيدة لنفسه، فلو مكّنا من أن يبيعا بالتفاضل لتبايعا الصاع بالصاع مثلًا، وكلاهما مطمئن أن هذا التبايُعَ لا يفضّ