هذا، وكان القدماء كثيرًا ما يتركون نقط ما حقه أن ينقط، كما هو مشاهد في كثير من النسخ القديمة؛ وإنما يدَعُونه إيثارًا لسرعة الكتابة، واتكالًا على أن أهل العلم يأخذون الكتب بالسماع من أفواه العلماء، فيحفظون الأسماء بضبطها. وقد يكون بعض العلماء كان يتعمد ترك النقط إلجاءً لطالبي العلم إلى السماع من أفواه العلماء، كيلا يتكلوا على الصحف. وما كان منقوطًا من النسخ القديمة كثيرًا ما يشتبه فيه النقط، فتشتبه النقطة بالنقطتين، والنقطتان بالثلاث. ويقع كثير من النقط بعيدًا عن الحرف الذي [ص ٧] هو له، فيظن أنه لحرف آخر عن يمين ذلك الحرف، أو يساره، أو فوقه في السطر الأعلى، أو تحته في الأسفل.
والناقل قد ينقط بعض ما لم يُنْقَط في الأصل برأيه، فيخطئ. وقد يترك نقطَ ما هو منقوط، فيكون ذلك سببًا لخطأ مَن بعده. وقد يجعل نقط حرف لغيره عن يمينه أو يساره أو فوقه أو تحته، بناءً على ما تراءى له من الأصل لبعد النقط عن الحرف الذي هو له.
السبب الثاني: أن كثيرًا من الأصول يَشتبه فيها حرف بآخر وكلمة بأخرى، وإن كانت صور الحروف في أصل وضع الخط مختلفة. وذلك لتعليق الخط، أو رداءته، أو قرمطته، فيلتصق منه ما حقُّه الافتراق، ويفترق ما حقُّه الالتصاق؛ أو لأن لكاتب الأصل اصطلاحًا لا يعرفه الناقل، أو غير ذلك. ولبيان هذا أُثبت هنا بعض الكلمات التي وقع فيها التحريف في نسخ "تاريخ البخاري"، ونبهت عليها في التعليق عليه، التقطتها من التعاليق على القسم الأول من المجلد الأول من "التاريخ" المطبوع. أذكر أولًا صورة ما