[ص ٢٠٨] فإن قيل: إنما ذلك لخطئنا في اعتقاد أن هذا سبب أو مانع، أو في تقدير قوَّته، أو لجهلنا بأسباب وموانع أخرى أقوى مما عرفناه؟ قلت: فإذا كان هذا جهلنا بزماننا ومكاننا وبيئتنا، فكيف بما مضى عليه بضعة عشر قرنًا؟
ومما يجب التنبّه له أنه قد يثبت من جهة السَّنَد نصٌّ يستنكره بعضُ النقَّاد، وحقّ مثل هذا أن لا يبادَرَ إلى ردِّه، بل يُمعنَ النظرُ في أمرين: الأول: معنى النص، فقد يكون المراد منه معنًى غير الذي استُنْكِرَ. الثاني: سبب الاستنكار، فكثيرًا ما يجيء الخلل من قِبَله.
وقد تقتضي (١) القرائنُ وقوعَ أمر سكتتْ عنه الروايات الصحيحة، وتَرِدُ رواية واهية السند فيها ما يؤدِّي ذاك الأمر في الجملة، فيبادر الناقد إلى تثبيتها، وفي هذا ما فيه. ألا ترى أنه قد يجيئك شخص ضَرَبَه آخر فتسأله: لِمَ ضَرَبك؟ فيقول: بلا سبب، فترتاب في صدقه، فإذا جاء خصمه فقال: إنما ضربته لأنه سبَّني سبًّا شنيعًا، قال: كيت وكيت، ظننتَ أنه صادق في الجملة، أي أنه قد كان سبٌّ، ولكنه قد يكون دون ما ذكره الضاربُ بكثير. فالصواب أن تذكر الرواية وأنها واهية السند، ثم يقال: ولكن القرائن تقتضي أنه قد كان شيء من ذاك القبيل. هذا هو مقتضى التحقيق والأمانة.
ثم قال أبو ريَّة ص ٣٢٨:(طالب الحديث بغير فقه ... ).
أقول: قال أبو ريَّة ص ٤٦: وروى البخاري ومسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن مَثَل ما بعثني الله به من الهُدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعُشْبَ الكثير، وكان منها أجادب