للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شهد له العقل والشرع كما يأتي.

وأما القضايا الضرورية والبديهية، فقد اتفق علماء المعقول أنها رأس مال العقل، وأن النظر إنما يُرْجَى منه حصولُ المقصود ببنائه عليها وإسناده إليها.

وأما النظر بالعقل العادي، فقد اعتدَّت به الشرائع، وبنَتْ عليه التكليفَ، ودعت إليه، وحضَّت عليه. وعلماء المعقول مصرِّحون بأن الدليل العقلي كلَّما كان أقرب مَدْرَكًا وأسهل تناولًا وأظهر عند العقل كان أجدر بأن يوثق به.

ولا ريب أنه يُخْشى قصورُ العقل العادي في بعض المطالب، لكن ذلك فيما ليس مطلوبًا [٢/ ٢٠٥] شرعًا. فأما المطلوب شرعًا فإن الله تعالى أعدّ العقولَ العادية لإدراكه، وأعدَّ لها ما يسدِّدها فيه من الفطرة والآيات الظاهرة في الآفاق والأنفس، ثم أكمل ذلك بالشرع. فإذا انقاد العقل العادي للشرع، وامتثل هُداه واستضاء بنوره؛ فقد أمِن ما يُخْشى من قصوره.

وأما المأخذ الثاني وهو الشرع، فما عسى أن يقال فيه! وإنما هو كلام الله عز وجل وكلام رسوله، لا يُخْشى فيه جهل ولا خطأ، ولا كذب ولا تلبيس، ولا تقصير في البيان {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢].

هذا، والله سبحانه إنما خَلَق الناس ليكمُلوا بعبادته، كما مرَّ في المقدمة، وهو سبحانه الحكيم العليم القدير، فلابد أن يكون خلقهم على الهيئة التي ترشِّحهم لمعرفته ومعرفة ما فرض عليهم الإيمان به، لأن ذلك رأس العبادة وأساسها. ولا نزاع أن الميسَّر لهم قبل الشرع هو المَأْخذ الأول، فلابد أن