للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدي الإنسان، ثم يقولون: وهذا باطل، ثم يوجِّه كلٌّ منهم ذلك إلى هواه. فمنهم من يستدل بذلك على أن القرآن ليس من عند الله، وأن محمدًا ليس بنبي، ومنهم من يستدل بذلك على أن القرآن جاء بالباطل مجاراةً لعقول الجمهور، إلى غير ذلك. وتارةً ابتغاءَ تأويله، فمنهم من يذهب يتخرَّصُ تخرُّصَ هشام بن الحكم وأصحابه وغيرهم من المشبِّهة الضالة، ومنهم من يحرِّف تلك النصوص بحملها على معاني بعيدة، كقول بعضهم: إن اليدين هما القدرة والإرادة وغير ذلك.

وقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} ينطبق على كلٍّ من القولين، إلا أنه على القول الأول يكون قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} عطفًا، والمعنى أن الراسخين يعلمون تأويله أيضًا. وعلى القول الثاني يكون قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} استئنافًا، [٢/ ٣٣٨] فهم لا يعلمون تأويله، وإنما امتازوا بأنهم لا يتبعونه اتباعَ الزائغين، بل يقولون: {آمَنَّا بِهِ} الآية.

ويدل على تصحيح كلا القولين أن من الناس من وقف على قوله: {إِلَّا اللَّهُ}، ومنهم من لم يقف، وأنه صح عن ابن عباس أنه ذكر الآية، ثم قال: «أنا ممن يعلم تأويله» (١). وصح عنه أنه قرأ: «ويقول الراسخون» (٢).

والتأويل على القول الأول بمعنى التفسير، وعلى الثاني بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها اللفظ. ففي قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} تأويل اليدين:


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥/ ٢٢٠) وابن المنذر في «تفسيره» (٢٥٨).
(٢) كما في «تفسير الطبري» (٥/ ٢١٨) و «تفسير عبد الرزاق» (١/ ١١٦) و «المستدرك» (٢/ ٢٨٩).