للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من اليقينيات التي يوجب أسلافُ الكوثري ردَّ ما يخالفها من كلام الله تعالى وكلام رسوله.

فإن قيل: فماذا يقول السلفيون؟

قلت: من تدبَّر أمثلة الغلط وجدها على ضربين: ضرب يُخْشى أن يكون سببًا قريبًا لمضار ومفاسد، وضرب لا يُخْشى فيه ذلك، لكن يُخشى أن يَغْلَط فيه المتعمّقون فيبنُوا عليه نظريات تعظم مفاسدها. ووَجَد الضربَ الأول جميعَه مما ينكشف فيه الحال عن قرب. فمنه أن الإنسان إذا تحاوَلَ (١) رأى الشيء اثنين، ولو كان هذا مما يتكرر للإنسان بغير شعوره لأوجب ضررًا ومفاسد، فاقتضت عناية الله عز وجل أن لا يكون ذلك، بل اقتضت أن يرى الأحولُ الشيء واحدًا كغيره، مع أنه كان يجب أن يرى الشيء اثنين كالمتحاول. وهذا كما اقتضت العناية أن يكون لكل إنسان صورة يمتاز بها عن جميع الناس، فلا يلتبس بصاحبك الذي عرفتَه معرفةً محقَّقةً أحدٌ من أهل الأرض. وهكذا ترى العناية شاملة. والله عز وجل إنما خلق الناس لعبادته، فإذا كانت عنايته بهم في معاشهم على ما تقدَّم، وهو وسيلة فقط، فأولى من ذلك عنايته بهم في المقصد الذي لأجله خلقهم. وهذا يقتضي حفظ المأخذ السلفي الأول عن أن يستمر فيه غلطٌ حِسِّيٌّ يؤدي إلى ضلال في الاعتقاد. على أنه لو كان شيء من ذلك لكشفه المأخذ السلفي الثاني، وهو الشرع.


(١) أي: صرف إحدى عينيه عن الأخرى حتى ترى كلُّ واحدة منهما غير ما تراه الأخرى. [م ع].