أجاب العَضُد (١) وغيره بأن المدار على جزم العقل، وهو لا يجزم بمجرّد الإحساس بل مع أمور تنضمُّ إليه، لا يُدْرَى ما هي؟ ولا كيف حصلت؟ ولا من أين جاءت؟
أشار بعضهم إلى القدح في هذا الجواب بأن الجزم مقدوح فيه كما يأتي، أي أن العقل قد يجزم ثم يتبين خطاؤه، وبأننا إذا تأملنا أمثلة الغلط وجدنا منها ما كانت عقولنا تجزم فيها بالصحة قبل أن تشعر بالدليل الدال على الغلط.
أُجِيب بأن ذاك الجزم ظن قوي، ليس هو بالجزم اليقيني المشروط، وهذا الجواب لا يُجدي لاشتباه الجزمين. غاية الأمر أنكم سمَّيتم ما تبيَّن غلطُه: ظنًّا، وما لم يتبين غلطه: يقينًا. ولو فُرِض أنه تبيَّن الغلط في بعض ما تسمُّون الجزم فيه يقينًا لعُدْتُم فسمَّيتموه ظنًّا.
[٢/ ٢١٢] ومما يقوِّي ذلك القدح أنه لو تواطأ جماعةٌ على تشكيك إنسان في بعض ما يحسُّ به ويجزم، ولم يشعر بتواطئهم، لأمكنهم تشكيكه. بل ربما يكفي لتشكيكه واحد، بل يتشكّك بنفسه إذا كان يرى أن هناك ما يحتمل التغليط كالسحر.
هذا، وقد ردّ علماء الطبيعة المتأخرون عدة نظريات ذهب إليها الفلاسفة مسندين لها إلى الحسّ. ومن ذلك ما كانوا جازمين به، ويبنون عليه مقالات أخرى حتى في الإلهيات. فثبت بهذا أن عقول الفلاسفة قد تجزم ببعض ما تغلَط فيه الحواسّ، ثم تبني عليه في الإلهيّات، وتَعدُّ ذلك