[ل ١٧/أ] الحمدُ لله الكريمِ الوهَّاب، الرحيمِ التوَّاب، غافرِ الذَّنب قابلِ التَّوبِ شديدِ العقاب. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوبُ إليه وأستغفره، وأسألُه الفوزَ يومَ المآب. وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ونبيُّه الذي بالهدى ودين الحق أرسَلَه، فصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمدٍ وآلِه والأصحاب.
أما بعد، فأوصيكم ــ عبادَ الله ــ ونفسي بتقوى الله، وأحذِّركم ونفسي معصيةَ الله، فإنَّ الطاعةَ سُلَّمُ النجاة، والعصيانَ مَهْواه التَّباب.
طالما قَرَعتْنا الزواجرُ فأسمعَتْنا، ورَدَعَتْنا المواعظُ فما نفعَتْنا. ونادَى المنادي، فلم نتزوَّد للذَّهاب. كأنَّنا نحسَب الدُّنيا دائمة، أو نشكُّ في أنَّ القيامةَ قائمة، أو قد ضمن لنا بالمغفرة ربُّ الأرباب. فالزادَ الزادَ قبل نَجْزِ الميعاد، والعملَ العملَ قبلَ بلوغِ الأجل، والمتابَ المتابَ قبلَ خَتْمِ الكتاب. فإنَّ الموتَ كلَّ يومٍ يأخُذُ منكم أسهُمًا ويرشُق سهامًا، وكان على كلِّ واحدٍ منكم لِزامًا، ومن أُخطِئَ اليومَ فهو في غدٍ مُصابٌ.
فأين من كان قبلكم من الأمم؟ وأين الرُّعاة والرَّعيَّةُ من العرب والعجم؟ صاروا ترابًا، كما خُلِقوا من التراب. وإنَّ للقبر لَعذابًا وسؤالًا وجوابًا، فَلْينظُر كلٌّ منكم ما يكون الجواب؟ وإنَّ بعدَها لَيومًا تُحشَر فيه العَوالِمُ، ويؤخَذ فيه للمظلوم من الظالم: يومَ الحَشْر والنَّشْر والحساب.
ولَيُسألَنَّ كلُّ أحدٍ عن النعيم: هل أدَّى شكرَه؟ ولَيُحاسبَنَّ على النَّقِير والقِطْمير والفَتيل والذَّرَّة، ثم إمَّا إلى النعيم والثواب، وإمَّا إلى الجحيم