للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: في حديث أسماء جزمٌ بضرر يخفى على الناس، فإنما يكون ذلك عن الوحي. وحديث سعد وجُدامة إنما فيه نفيُ الضرر الذي يظهر.

ثالثًا: في حديث جُدامة: "لقد هممت أن أنهى"، وفي حديث أسماء نهي صريح.

وكلٌّ من هذه الأوجه يقتضي تأخُّرَ حديث أسماء ــ على فرض صحته ــ وأن حديث سعد وجُدامة كان رأيًا رآه - صلى الله عليه وسلم - وظنًّا ظنَّه.

هذا، وقد أطلتُ في هذا الفصل، ومع ذلك بقيتْ أمور مما يشتبه على بعض الناظرين، كتأخير البيان إلى وقت الحاجة عند جماعة من أهل العلم، وما روي في نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه: "أسرَعُكن لحوقًا بي أطولُكن يدًا" (١).

فأما المجمل الذي لا ظاهر له، فواضح أنه ليس فيه رائحة من الكذب. وأما الذي له [٢/ ٢٦٢] ظاهر، فإنما يتأخر بيانه إذا كانت هناك قرينة تدافع ذاك الظهور، فيبقى النص في حكم المجمل الذي لا ظاهر له. وأما الآية والحديث، فالحق أن فهمَ غيرِ المراد منهما إنما كان من تقصير السامع، ولو تدبرسياق الكلام ولاحظ القرائن لما فهم غير المراد. وقد شرحتُ ذلك بأدلته في رسالة "أحكام الكذب" (٢)، وشرحت فيها ما حقيقة الكذب؟ وما الفرق بينه وبين المجاز؟ وما هي المعاريض؟ وما هو الذي يصح الترخيص فيه؟ وغير ذلك.


(١) أخرجه البخاري (١٤٢٠) ومسلم (٢٤٥٢) من حديث عائشة.
(٢) واسمها: "إرشاد العامِه إلى معرفة الكذب وأحكامه"، وهي ضمن مجموع رسائل أصول الفقه.