للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُضحُّون (١)، لأنهم كانوا يرون الأضحية مندوبة، ويخافون أن يعتقد الناس وجوبها أو تأكُّدها، ويواظبون عليها ويشقُّ ذلك عليهم.

ويشهد لذلك قوله: "ويخافون بدعته"، إذ لو كانوا يرون أن صيامها ليس بسنةٍ أصلًا لكان صيامها عندهم بدعةً البتّةَ، وحقُّ التعبير عنه أن يقال: "ويرونه بدعة". فلما قال: "ويخافون ... " عُلِم أنهم لا يرون صيامها بدعةً، ولكن يخشَون أن ينجرَّ الأمرُ إلى البدعة، وهي اعتقاد أن حكمها حكم رمضان في الفرضية. فتدبَّرْ.

وبعدُ، فتَرْكُ أكثر الناس العملَ بالشيء ــ ولو لم يظهر لهم عذرٌ ــ لا يدلّ على أنه ليس بسنة. هذا التكبير عند الخفض والرفع في الصلاة تركه الناس في عهد عثمان، حتى أحياه علي بالكوفة، فقال أبو موسى: "ذكَّرَنا عليٌّ صلاةً كنَّا نصلِّيها مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، إما نسيناها وإما تركناها عمدًا" (٢). وقال عمران بن حصين: "ذكَّرَنا هذا الرجل صلاةً كنّا نصلِّيها مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كان يكبِّر كلما رفع وكلما وضع" (٣). (راجع البخاري مع شرحه "فتح الباري" (٤) كتاب الصلاة، باب إتمام التكبير في الركوع). وأحياه أبو هريرة بمكة، فأنكره عكرمة حتى قال لمولاه ابن عباس: إنه أحمق، فقال ابن


(١) انظر "مصنّف عبد الرزاق" (٤/ ٣٨١، ٣٨٢) و"السنن الكبرى" للبيهقي (٩/ ٢٦٥).
(٢) أخرجه أحمد في "المسند" (١٩٤٩٤) والطحاوي في "معاني الآثار" (١/ ٢٢١) وغيرهما.
(٣) أخرجه البخاري (٧٨٤).
(٤) (٢/ ٢٦٩، ٢٧٠) ط. السلفية.