يصومونها ولم يبلغ مالكًا، ولاسيما من غير أهل المدينة. ومن كان لا يصومها: فقد كان جماعة منهم يسردون الصوم، وجماعة يصومون كلَّ اثنين وخميس، وجماعة يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، وبعضهم يصومون من ذي الحجة والمحرم وغيرهما ما يزيد على ستة أيام.
فأما الذين يسردون فقد دخل صوم الستّ في صيامهم.
وأما الذين يصومون كل اثنين وخميس فلعلهم كانوا لا يرون اشتراطَ تتابعها، بل يكفي أن تكون من شوّال، ورأوا أنه يحصل لهم بصيام الاثنين والخميس صيام الستّ وزيادة.
وأما الذين يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، أو يصومون في ذي الحجة والمحرم وغيرهما ما يزيد على ستة أيام= فلعلهم حملوا الحديثَ على أن أصل المطلوب صيام ستة أيام من بقية السنة، وأنه لا اختصاص للأجر بكونها مُتْبَعةً برمضان من شوال، على ما يأتي تقريره في الفصل العاشر إن شاء الله تعالى.
على أن في كلام مالك نفسه الاعتذارَ عنهم بأنهم إنما كانوا يتركون صومها ويكرهونه خوفَ البدعة، بأن يُلحِق بعض أهل الجهالة والجفاء برمضان ما ليس منه، فيظنون أن صومها فرضٌ كرمضان.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ربما يترك العمل الذي هو في نفسه مستحب إعلامًا للناس أنه ليس بفرضٍ ولا قريبًا منه، بأن يكون استحبابه بغاية التأكيد، وربما يفعل الشيء الذي في نفسه مكروه إعلامًا للناس أنه ليس بحرامٍ ولا شديد الكراهة. واقتدى به أصحابه، فكان أبو بكر وعمر وابن عباس لا