صحة سند التوثيق إليه، وثقتُه في نفسه تتوقف على أن يوثّقه ثقةٌ عارف، وصحةُ سند التوثيق تتوقف على توثيق بعض أهل المعرفة والثقة لرجاله، وهلم جرًّا.
والسعيُ في توثيق رجل واحد من أولئك بغير حق، أو الطعنُ فيه بغير حق سعيٌ في إفساد [١/ ٥] الدين بإدخال الباطل فيه، أو إخراج الحق منه. فإن كان ذاك الرجل واسع الرواية، أو كثير البيان لأحوال الرواة، أو جامعًا للأمرين كان الأمر أشدَّ جدًّا كما يعلم بالتدبر. ولولا أن أُنسب إلى التهويل لشرحت ذلك، فما بالك إذا كان الطعن بغير حق في عدد كثير من الأئمة والرواة، يترتب على الطعن فيهم ــ زيادةً على محاولة إسقاط رواياتهم ــ محاولةُ توثيق جمٍّ غفير ممن جَرّحوه، وجرحُ جمٍّ غفير ممن وثّقوه.
ففي "التأنيب" الطعن في زُهاء ثلاثمائة رجل، تبيّن لي أن غالبهم ثقات، وفيهم نحو تسعين حافظًا، وجماعةٌ من الأئمة، فكم ترى يدخل في الدين من الفساد لو مشى للأستاذ ما حاوله من جرحهم بغير حق؟! على أن الأمر لا يقف عندهم، فإن الأستاذ يحاول الرد بالاتهام، والتهم غير محصورة، فيمكن كلَّ من يهوى ردَّ شيء من النقل أن يبدي تهمة في رواته وموثّقيهم، فيحاول إسقاطهم بذلك. بل يعدُّ (١) الملحدون الإسلامَ نفسَه ذريعةً لاتهام كلّ مَن روى مِن المسلمين ما يثبت النبوة والقرآن ونحو ذلك، ولا يقنعون بالآحاد، بل يساورون المتواترات بزعم التواطؤ والتتابع لاتفاق الغرض.
(١) في (ط): "يعيد" وعلّق عليها في الهامش: "كذا الأصل، ولعله يتخذ". ولم يرمز بعد التعليق بـ[ن]. وما أثبتناه هو المناسب، ولعله القراءة الصحيحة للكلمة.