الظَّن المُفْرِط، والغفلة عن حِيَل المحتالين، إلى أمور أُخَر قد بيَّنتُ بعضها في "رسالة العبادة"، فعليك بها.
وأمَّا عمل أهل جهةٍ من الجهات فلم يسلِّم الأئمة لمَالكٍ احتجاجه بعمل أهل المدينة، مع أنَّها معدن الإسلام، وأهلُها حينئذٍ الصَّحابة والتابعون، وكثير منهم أئمَّة مجتهدون، وكانوا من العلم والمعرفة والحرص على اتباع السنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أعلى الطبقات، فما بالك بعمل أهل جهةٍ أخرى بعد أن عزَّ العلم الصحيح، وكثر علماء السوء، وانتشر دعاة البدع، وفُقِد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصار من بقي من العلماء شعارهم: عليك بخويصة نفسك، ودَعْ عنك أمر العامة.
فصل
ساق المحقِّق الشاطبي في "الاعتصام"(١) كثيرًا من الآيات والأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين والأئمَّة المهديين في ذمِّ البدع والتحذير منها، وفاته كثير.
وأنا أرى أنَّ الأمر أوضح من ذلك فإنَّ البدعة هي: إحداث حُكْم في دين الإسلام وليس منه.
ولا خلاف أنَّ دين الإسلام هو: ما شرعه الله عزَّ وجلَّ وبلَّغه خاتم أنبيائه صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وأنَّ كل أمرٍ لم يبلِّغ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمَّته أنَّه من دين الإسلام فليس منه، وزَعْمُ أنَّه منه هو البدعة , ومثل هذا لا يخالف مسلم في أنَّه منكر مذموم.