ليس المراد هنا الإفاضة في أحكام المجاز، وإنما نُلِمُّ منه بما يتعلق بموضوعنا على الاختصار.
اتفق القائلون بالمجاز على أن المجاز المفرد هو:«الكلمة المستعملة في غير ما وُضِعت له في اصطلاحٍ به التخاطب على وجهٍ يصح، وذلك بأن يكون بين المعنى الموضوع له والمعنى المستعمل فيه علاقة معتبرة»(١).
هذا أصح تعريف استقر عليه الأمر. وبقية التعريفات تحوم حول هذا المعنى.
ثم اتفقوا على أنه لا بد للمجاز من قرينة معتبرة، إلا أن كثيرًا من الأصوليين يجعلون القرينة شرطًا لصحة الاستعمال بقصد الإفهام، وصحة الحمل في فهم الكلام.
فعندهم أن من رأى إنسانًا مشؤومًا فقال:«رأيت غرابًا» مريدًا بالغراب ذاك الإنسان= كان هذا مجازًا، لكنه يجب على المتكلم إذا أراد الإفهام أن ينصب قرينة.
وكذلك لا يسوغ لمن يسمع آخر يقول:«رأيت غرابًا» أن يحمله على معنى «رأيت إنسانًا مشؤومًا» إلا إذا كانت هناك قرينة معتبرة.
وعُلم من هذا ــ مع ما تقدم ــ أن من لم ير غرابًا، ولكن رأى إنسانًا
(١) انظر «فيض الفتاح» (٤/ ١٣٢) و «شروح التلخيص» (٤/ ٢٢ - ٢٦).