للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٩٣ - رَقَبة بن مَصْقَلة:

في «تاريخ بغداد» (١٣/ ٤١٦ [٤٤٦]) عن أبي أسامة «مرَّ رجل على رَقَبة فقال: من أين أقبلت؟ قال: من عند أبي حنيفة. قال: يمكنك من رأي (١) ما مضغت، وترجع إلى أهلك بغير ثقة».

قال الأستاذ (ص ١٥٨): «ليس من رجال الجرح والتعديل، وإنما هو من رجالات العرب الذين يحبُّون التنكيت والتندّر. وهو الذي استلقى على ظهره في المسجد، وهو يتقلَّب ويقول لمن يسائله عما به: إني صريع الفالوذج! يعني أنه متخوم بأكله، أو مصروع بالتشوّق إليه. ومثل هذا الكلام موضعه كتب النوادر والمحاضرات .. ».

أقول: رقبة روى عن أنس ــ فيما قيل ــ وعن أبي إسحاق، وعطاء، ونافع، وعبد العزيز بن صُهيب، وثابت البُناني، وطلحة بن مصرِّف، وغيرهم. وعنه جرير بن عبد الحميد، وأبو عَوانة، وابن عُيينة، وغيرهم. قال الإمام أحمد: «شيخ ثقة من الثقات مأمون». وقال ابن معين والعجلي والنسائي: «ثقة». واحتج به الشيخان في «الصحيحين» وغيرهما. ومثلُه لو جَرَح أو عَدَّل لَقُبِل منه. فأما الدعابة، فلم تبلغ به بحمد الله عز وجل ما يخدش في دينه وأمانته. وقصة الفالوذج ــ إن صحت ــ[١/ ٢٥٥] إنما فيها أنه أكل فالوذجًا، فتأذَّى به، فقال ما قال تلطُّفًا ونصيحةً لغيره، فكان ماذا؟

ومع هذا كلِّه، فليس في كلمته التي ذكرها الخطيب جرحٌ لأبي حنيفة. وقوله: «ترجع إلى أهلك بغير ثقة» يعني: بالرأي، لأنه قد يرجع أبو حنيفة


(١) في «الانتقاء» (ص ٢٧٤): «يكفيك من رأيه ... » معزوّة إلى مسعر بن كدام.