للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما القادحون في إفادة النظرِ العلمَ مطلقًا فهم السُّمَنِيَّة، وتمسكوا بوجوه سأحاول حكاية بعضها، وما أجيب به عنها (١) بالمعنى تقريبًا للفهم.

الوجه الأول: إفادة النظر الصحيح للعلم لا تُعْلَم، إذ لو عُلِمتْ فإما بضرورة أو نظر، وكلاهما باطل. أما الضرورة فلاختلاف الناس في ذلك وللجزم بأنه دون قولنا: "الواحد نصف الاثنين" في القوة، وليس ذلك إلا لاحتمال النقيض ولو على أبعد وجه. وأما النظر فلاستلزامه إثبات الشيء بنفسه.

أجاب بعضهم باختيار الضرورة، وأن الضروريّ قد لا يكون تصوُّرُ طرفَيْه جليًّا، ولا تجريدهما سهلًا، ولا يكثر وروده على الذهن فيؤلَفَ ويُسْتأنسَ به؛ فمثلُ هذا قد يخالف فيه قليل من الناس، ويُدرِكُ أنه دون قولنا: "الواحد نصف الاثنين"؛ وذلك لا يُخرِجه عن كونه ضروريًّا. واختار بعضهم النظر، وأجابوا بما فيه طول وتعقيد، فراجعه في "المواقف" و"شرحها" (٢)، لما قدّمناه في أول الكلام مع منكري البديهيات.

الوجه (٣) الثاني: الاعتقاد الجازم عقب النظر لا يُعلَم أنه عِلْم، لأنه لا يُعْلَم إلا بضرورة أو نظر، وكلاهما باطل. أما الضرورة فلأنه "قد يظهر للناظر بعد مدة بطلانُ ما اعتقده وأنه لم يكن علمًا وحقًّا، وكذلك نقل المذاهب ودلائلها لما مرَّ من أنه قد يظهر صحة ما اعتقد بطلانه وبالعكس". كذا في


(١) انظر "المواقف" (ص ٢٤ - ٢٦) و"شرحها" (١/ ٢١٩ وما بعدها).
(٢) (١/ ٢٢٠، ٢٢١).
(٣) الأصل: "الأمر" وكذا ما سيأتي، وقد سبق أنه يذكر الوجوه، ثم قال: "الوجه الأول"، فغيرناها لتتوافق.