بنوا على الظاهر في نحو {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ}، ولم يراعوا صلب المعنى، ودخول قوله:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} في قاعدة حذف المعمول قد سبق الكلام فيه في المحمل الثالث. ومَنْعُكم الرابع مع تسليم التبادر لا يضرُّنا، فإن مقصودنا أن قول القائل:"ورِث زيدًا أبواه" تُفهَم منه الإحاطة، وهذا أمرٌ ندركه بذوقنا العربي، وكلُّ ممارسٍ للعربية حقَّ الممارسة لابدَّ أن يجده كما وجدناه. فإن صحت الأوجه المذكورة أو بعضها فذاك، وإلّا كفانا الفهم.
ثم إننا قد أثبتنا أن غيرنا ممن تقدم قد فهم ذلك كما فهمناه، وأوضحُ من ذلك أن الصحابة وعامة علماء الأمة فهموا من قوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} نحو ما فهمنا، ولم يصحّ خلافُ أحدٍ منهم غير ابن عباس، مع أنه لم يدَّعِ في دلالة الآية خلافَ ذلك، فقد صحَّ عن مولاه عكرمة قال (١): [أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسألُه عن زوج وأبوين، فقال زيد: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال. فأرسل إليه ابن عباس: أفي كتاب الله تجد هذا؟ قال: لا، ولكن أكره أن أفضِّل أمًّا على أب. قال: وكان ابن عباس يُعطي الأمَّ الثلث من جميع المال].
وهذا فصل الخطاب في الآية، فإن زيدًا ــ وهو أفرضُ الأمة ــ وابن عباس ــ وهو حبر الأمة، وهو المخالف في المسألة ــ اعترفا بأنه ليس في كتاب الله تعالى حجةٌ على بيان نصيب الأمّ في الغرَّاوينِ، وأنهما إنما قالا بالرأي. ومعنى ذلك أن الآية محتملةٌ عندهما للمعنيين، فقوله تعالى:
(١) لم يذكر النص في الأصل. وراجع له "مصنف عبد الرزاق" (١٩٠٢٠) و"السنن الكبرى" للبيهقي (٦/ ٢٢٨).