وحسبك أنك لا تكاد [تجد] حديثًا صحيحَا قامت الحجة على كذبه، فإن كان فقليل جدًّا، وقد يكون ذاك القليل هو جميع ما اتفق فيه الكذب عمدًا أو خطأ.
وهذا كافٍ في حلِّ هذه الشبهة لمن يريد الحق.
وفوق ذلك، فقد تكفَّل الله عز وجل بحفظ شريعته، فإن اتفق أن فاجرًا تظاهر بالثقة فاغتر به بعض الناس، فكذب في حديثٍ؛ فإما أن يفضحه الله عز وجل، وإما أن يرشد الناظر إلى ما يرد خبره، فإن تركه ففي بعض الأحوال والوقائع لحكمة يعلمها سبحانه، ثم يبين حاله في غير ذلك.
فإن قيل: قد يأخذ به آخذٌ، فيخطئ فيتبعه طائفة إلى يوم القيامة.
قلت: يبينه الله تعالى لغيره، ويكون على من تمكَّن من النظر من أتباعه أن ينظر، أو يسمع كلام من خالف متبوعه، أو يسأل، فيبين الله تعالى له. فإن أصرَّ الأتباع على رأي متبوعهم ولم يلتفتوا إلى غيره، فذاك ضلالٌ ارتضوه لأنفسهم، والدين بريء منه.
ومثل هذا يقع كثيرًا في النظر العقلي، وفي فهم القرآن، كما لا يخفى. وذلك غير خارج عن الحكمة، قال الله عز وجل:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}[البقرة: ٢٦].
ومنكرو أخبار الآحاد يعترفون بالدلائل الظنية من القرآن، ومنهم من يعترف بالرأي والقياس، ويحتمل فيها مثل ما قالوا؛ بأن يذهب ذاهب إلى فهمٍ ظهَر له من القرآن، أو رأيٍ خطرَ له، ثم تتبعه طائفة أو طوائف.