أما كونه - صلى الله عليه وآله وسلم - علم أنهم يقرؤون؛ فلأنه يعلم أنهم يعلمون أنَّ الفاتحة فرضٌ عليهم [ص ٧٣]، وأنهم لا يذرونها. ودلَّته المنازعة على أنهم قرأوا معه غيرها، ولم يستبعد ذلك؛ لأنهم لم يكونوا قد نهوا عن ذلك.
وعلم أنهم قاسوا المأموم في الجهرية على الإمام والمنفرد والمأموم في السرية.
وما جاء في بعض الروايات من زيادة:"وأنا أقول مالي أنازع القرآن" في حديث عبادة محمول ــ إن صحَّ ــ على أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - استبعد أولًا أن يقرأوا معه غير الفاتحة، ولم يأمرهم بذلك، ثم تبيَّن له أنهم قاسوا كما ذكرنا.
وأما كونه ظنَّ أنهم قرأوا معه ظنًّا فقط، فكأنَّ ثِقلَ القراءة لم يكن دليلًا كافيًا للعلم بقراءتهم معه غير الفاتحة؛ كأنه كان قد يحصل بسبب ذلك، وقد يحصل لسبب آخر.
وعلى هذا فلا تكون الفاتحة داخلة في قوله:"إني أراكم تقرأون"، وإنما قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "فلا تفعلوا إلَاّ بأمَّ القرآن؛ فإنه لا صلاة إلَاّ بها" فاستثناها احتياطًا لئلا يتوهموا دخولها في النهي، وقال:"فإنه لا صلاة إلا بها" تنبيهًا على الفرق بينها وبين غيرها.
فأما حديث ابن أكيمة فليس فيه نهيٌ صريح يُتوهَّم دخول الفاتحة فيه حتى يُحتاج إلى الاستثناء.
وقد علموا بحديث عبادة أنه لا يصحُّ قياسها على غيرها، وظهر من سكوتهم عن الجواب ــ إلَاّ ذلك الرجل الواحد ــ أنهم فهموا أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما سألهم عن قراءة غير الفاتحة معه؛ فعلم - صلى الله عليه وآله وسلم - أنهم إذا فهموا نهيًا يعلمون