للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طه: ٩ - ٢١].

فلما كان موسى عليه السلام مع أهله كانوا يشاهدون عصاه، فيجزمون بأنها عصا لم تنقلب حية؛ فهذا جزم كالجزم في مثال الشارح. ثم لما فارقهم، وأُمر بإلقاء عصاه، وانقلبت حيةً؛ إذا كان أهله ــ وهو غائب عنهم ــ يجزمون في الوقت الذي انقلبت فيه حيةً، يجزمون بمقتضى العادة أنها لم تنقلب حية= فهذا جزمٌ كالجزم في أمثلة القادحين. ولا يخفى الفرق بين الجزمين، وأنه لا يلزم من صحة الأول صحة الثاني، ولا من القدح في الثاني القدح في الأول، وأن الثاني في قصة أهل موسى مخالف للواقع، وفي أمثلة القادحين محتمل لذلك= فكيف يقال: إنه جزم واقع موقعه؟

دعْ عنك خرقَ العادة، ويغني عنه النقض العادي الذي لم يُعْهَد، كالرجل يُمسي بالمغرب، ثم يُصبح في المشرق. فإن هذا كان من المحال العادي عند الناس، فانتقض بالطيارات، فلو بقي الآن أهلُ جهة لم يسمعوا بخبر الطيارات لكانوا يجزمون بامتناع ما هو واقع بدون خرق عادة.

وربما يقال: لا يمتنع أن يكون مراد الشارح أن الاحتمال البعيد جدًّا لا ينافي الجزم، ففي مثاله يحتمل نقيض ما جزم به لاحتمال خطأ الحسّ، فكذلك احتمال خرق العادة.

والظاهر أن مراد المتن والشرح: أنه كما أن الحسَّ يحتمل الغلط ومع ذلك يسلِّم القادحون [٢/ ٢١٥] في البديهيات أن ذلك لا يقتضي القدح في الحسيات مطلقًا، فهكذا يلزمهم في العاديات أن لا يقتضي احتمالُ الخرق القدحَ فيها مطلقًا.