للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أواني البيت لم تنقلب بعد خروجي أناسًا فضلاء، ولا أحجاره جواهر، ولا البحر دهنًا وعسلًا، مع أنه من الجائز خلاف هذا. أما عند المتكلمين، فلاستناد الأشياء جميعها إلى القادر المختار، فلعلَّه أوجبَ شيئًا من ذلك. وأما عند الحكماء، فلاستناد الحوادث الأرضية إلى الأوضاع الفلكية، فلعلَّه حدثَ شكل غريب فلكي لم يقع مثله، أو وقع ولكنه لم يتكرر مثله إلا في ألوف من السنين.

أجاب العَضُد بأنّ الإمكان لا ينافي الجزم كما في بعض المحسوسات. قال السيد في "شرحه" (١): "فإنا نجزم بأن هذا الجسم شاغل لهذا الحَيّز في هذا الآن جزمًا لا يتطرق إليه شبهة، مع أن نقيضه ممكن في ذاته، فقد ظهر أن الجزم في العاديّات واقعٌ موقعَه".

كذا [٢/ ٢١٤] قال الشارح. وفيه أن القادحين لم يستندوا إلى الإمكان الذاتي المشترك بين أمثلتهم ومثال الشارح، وإنما استندوا إلى احتمال الوقوع في نفس الأمر. فإن أحجار البيت كما يمكن بالإمكان الذاتي انقلابها جواهر، فإنه يحتمل وقوع الانقلاب بعد خروجك. وليس مثال الشارح هكذا، فإنه مفروض في الحاضر المشاهَد.

وقد قال تبارك وتعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} إلى أن قال تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ


(١) "شرح المواقف" (١/ ١٧٣).